عماد فرغلي يكتب: الأسد الصاعد وطوفان الأقصى


أرى أن عملية الأسد الصاعد التي أطلقتها إسرائيل فجر الجمعة داخل العمق الإيراني والتي شملت مواقع نووية وعسكرية عديدة وأدت إلى تصفية عدد كبير من كبار القادة العسكريين وبعض العلماء المتخصصين في الطاقة النووية تشبه إلى حد بعيد عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس داخل إسرائيل في اكتوبر من العام قبل الماضي مع اختلاف الدوافع والأهداف والفارق الكبير في الإمكانيات العسكرية المتاحة لحركة حماس وما يملكه الكيان الصهيوني من آلات حربية فتاكة ، ويكمُن الشبه بين العمليتين في القراءة الخاطئة لكلا من قادة حماس وقيادة جيش الاحتلال للنتائج المحتملة لكل عملية وعدم تقدير رد فعل الجانب الآخر تقديراً دقيقاً ، فبينما ظنت حماس أن رد إسرائيل المحتمل على هجماتها سيكون محدودا حفاظاً على أرواح أسراها لدى الحركة وقد بنيت ظنها ذلك على تجارب سابقة بين الجانبين لكنها لم تضع في حساباتها أن عملية طوفان الأقصى تخطت القدر المسموح لها بتنفيذه ضد الكيان (صاروخ محلي ، قنبلة يدويةً ، لغم أرضي ، تفجير سيارة أو حافلة ركاب، خطف مواطن أو مجند) وما زاد عن ذلك لن تسمح به إسرائيل وسترد بعنف حتى لا تهتز صورتها أمام مواطنيها والعالم أما عن الأسرى فقد أخطأت حماس أيضا في تقدير الموقف فهذا الكيان لا يضع للجوانب الانسانية اعتباراً ولا يعطي قيمة للأرواح أطفالاً كانوا أو نساءً أو شيوخاً من ملته أو من غير ملته كيان بلا قلب لا ضمير له ولا رحمة ولا إيماناً.
خسرت حركة حماس كل أوراق اللعبة عندما تجاهل الكيان الصهيونى ملف الأسرى وأظهر نفسه أمام العالم كالحمل الوديع الذي يدافع عن وجوده فمنحته القوى العظمى الضوء الأخضر ليقتل ويحرق ويدمر ويفتك ويحتل فتخلص من كل القادة في حركة حماس وحزب الله وقتل الرئيس الإيراني السابق وهو في طائرته الرئاسية ودمر غزة عن بكرة أبيها وقتل الآلاف من أبنائها المسالمين ودخل بأريحية إلى لبنان وسوريا وزادت أطماعه في تحقيق حلم إسرائيل الكبرى "أرض الميعاد" .
طوفان الأقصى كانت مغامرة غير محسوبة من حركة حماس دفع ثمنها شعب كامل كانت كل أحلامه العيش في سلام .
وكما أخطأت حماس في تقديراتها أخطأ الكيان الصهيوني في تقدير النتائج المحتملة من شن هجوم واسع على إيران فقد ظن أنها ستتلقى الضربة تلو الأخرى دون تحرك كما حدث سابقا فقد قتلت رئيس دولتهم ولم ترد واغتالت زعيم حركة حماس وهو على فراشه وداخل أراضيهم ولم ترد وتخلصت من حليفهم زعيم حزب الله حسن نصرالله ولم ترد ، وظنوا أن المجال أصبح متاحاً لهم للتخلص من إيران وفرض سيطرتهم على المنطقة وإعادة رسم خريطتها لكنهم وقعوا في شر أعمالهم فإيران دولة قوية عسكريا ولها باع طويل في الحروب وعقيدة قتالية لا تلين وإن دخلت حرب لا تنهيها إلا بمكاسب فقد تحاربت مع العراق لمدة ثمان سنوات متواصلة في واحدة من أطول النزاعات العسكرية في القرنين الأخيرين ولم تبدي أي رغبة في إنهاء هذه الحرب رغم الخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها هي والعراق على حد سواء.
ضربت إسرائيل إيران وكبدتها خسائر فادحة وما هي إلا ليلة واحدة أخذتها إيران لاستيعاب الصدمة وبدأت في الرد وانهالت بصواريخها وطائراتها على كل مدن الاحتلال ومبانيها ومواقعها الحيوية ولم يعد هناك مكانا آمنا في إسرائيل والقادم سيكون ويلا على الكيان الذي بدأ يستشعر الحرج ولا يستبعد الهزيمة وسيطلب العون إن عاجلا أم آجلا ، أو يستخدم أسلحته النووية للحفاظ على وجوده .
وفي وسط هذه الأجواء المشتعلة في المنطقة تبقى مصر في حالة ترقب واستنفار واستعداد كامل لمواجهة أي خطر يقترب من حدودها ونحمد الله الذي وهبنا رئيساً استطاع أن يقرأ المشهد مبكرا فسلح جيشه بشتى أنواع الأسلحة وأكثرها تقدما تحسباً لهذه اللحظة وما كنا لذلك مدركين.