السيناريست عماد النشار يكتب: خالد عبدالعال.. نصيب من اسمه


تجسيدا للقول المأثور "كل واحد ليه نصيب من أسمه"أصبح الشهيد البطل خالد عبدالعال أيقونة هذا القول والمثال الحي على صدقه .
في صباح هادئ ككل صباح، خرج خالد عبدالعال، سائق شاحنة وقود من محافظة الدقهلية، متجهًا إلى عمله،لم يكن يدري أن هذا اليوم سيكون بداية فصله الأخير، وأنه سيختم حياته بفعل سيبقى في ذاكرة الناس طويلًا.
خالد، رجل خمسيني من قرية "مبارك" بالدقهلية، كان يعيش حياة هادئة، بسيطة، مثل وجهه الطيب، لم يكن صاحب مال ولا شهرة ، ولا ممن يسعون إلى لفت الانتباه،يعمل في صمت، ويعود إلى بيته حيث تنتظره زوجته وبناته الثلاث، وابنه أحمد، الذي كان يستعد لحفل زفافه القريب.
اقرأ أيضاً
حريق مروع في مدينة السلام يسفر عن إصابة سيدتين باختناق
حادث مروعـ ـة على كورنيش المقطم.. وفاة فتاة وإصابة صديقتها في تصادم مروري
مصر للطيران تطلق جسرها الجوي لعودة ضيوف الرحمن بحفاوة واستعداد مميز
وفاة السائق البطل الذي أنقذ محطة وقود من كارثة في العاشر من رمضان
زيادة أسعار الأسمنت في مصر، 200 جنيه إضافية على الطن
كارثة مأسـ ـاوية في الدرب الأحمر.. وفاة 3 أطفال وإصابة آخر إثر انفجار أسطوانة بوتاجاز
الأمن يضبط سائق ”توك توك” للتحرش وإجباره سيدة على دفع أموال بالقاهرة
محكمة القاهرة الاقتصادية تُبرئ راندا البحيري من تهمة التشهير بإعلامي معروف
حادث مروع في المقطم.. مصرع سيدة وزوج ابنتها وإصابة الابنة بجروح خطيرة
سقوط عصابة العلاج الروحاني الوهمي في قبضة الأمن بالقاهرة
أم أمسكها الغضب.. مشاجرة حادة أمام جامعة شهيرة في المعادي بسبب هاتف محمول
زوجة إمام عاشور وابنته في مدرجات استاد القاهرة، دعم عائلي في لحظة حاسمة
في البيت، كانت الأجواء مختلفة تلك الأيام،فساتين جديدة، ضحكات بناته، استعدادات بسيطة لكنها دافئة. الأم تقوم بدعوة الأهل والجيران ، والأب يبتسم وهو يرى بيته مسرح فرح،بدا كل شيء طبيعيًا،حياة أسرية بسيطة تمضي بهدوء، حتى جاء صباح لم يكن عاديًا.
في طريقه المعتاد، وصل خالد إلى محطة وقود في مدينة العاشر من رمضان،نزل من الشاحنة وبدأ تفريغ الحمولة، شرارة صغيرة انطلقت، لم يعرف أحد سببها، لكنها كانت كافية لتتحول الشاحنة إلى كتلة من اللهب في ثوانٍ معدودة.في لحظة امتلأت السماء بالدخان، وتعالت صرخات الناس في المكان.
المحطة كانت مزدحمة، أسر في سياراتها، أطفال، وسائقون ينتظرون دورهم، اللهب كان يتمدّد بسرعة، يهدد الجميع، ومن بينهم، كان خالد الوحيد الذي اتخذ قرارًا مختلفًا.
في الوقت الذي هرب فيه الجميع ،وهو رد فعل طبيعي ، قرر خالد أن يواجه النار.
ركض إلى مقصورة القيادة، صعد إلى الشاحنة المشتعلة، أدار محركها، وقادها بعيدًا، لم يفكر إلا في شيء واحد، أن يبعدها عن الناس، بأي ثمن. النار تحاصره، الدخان في أنفه، الحرارة لا تطاق، لكنه استمر في القيادة.
ابتعد بها مسافة كافية، بعيدًا عن المحطة، عن السيارات، عن الأطفال،ثم أوقفها، ونزل منها وجسده يحترق،وعلى الرغم من الألم الذي لم يكن يُحتمل، صرخ صرخته الأخيرة:"لحقوا العربية التانية... هتولّع!"
كان يُحذر من خطر آخر، لا يهمه ما يحدث له هو، بقدر ما كان يحمل في قلبه خوفًا على الآخرين، وعملا بقول الله تعالى وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» (المائدة: ٣٢)،ومن تفسيرات الأولين من أحيا نفساً هو من أنقذ إنساناً من التهلكة، فمال بال من أنقذ مدينة بأكملها من الدمار .
نُقل خالد إلى مستشفى بلبيس، ثم إلى مستشفى أهل مصر للحروق بالقاهرة، كانت حالته حرجة للغاية، الحروق من الدرجة الثالثة، وأجهزة التنفس لا تفارقه، ورغم كل المحاولات الطبية، والمتابعة الرسمية من مسؤولين تنفيذيين، لم ينجُ… بعد أيام، توفي خالد.
لكن الحكاية لم تنتهِ عند هذا الحد،فقد قررت الدولة منحه معاشًا استثنائيًا لأسرته، وأطلقت اسمه على أحد شوارع مدينة العاشر من رمضان، كما أُقيم له عزاء رسمي، حضره مسؤولون، وأهالي قريته، وعدد من المواطنين الذين تأثروا بما فعله، على وسائل التواصل الاجتماعي، انتشرت قصته، ووجد فيها الكثيرون معنىً نقيًا للبطولة، بعيدًا عن الاستعراض، وعن الكلام الكبير.
خالد لم يكن صاحب لافتات، ولا ظهر في أخبار قبل هذه الواقعة، لكنه، في لحظة واحدة، قدّم ما لا يُقدّمه كثيرون في عمر كامل، ضحى بنفسه من أجل الآخرين، دون أن يعرف أسماءهم، ولا أن يسأل إن كانوا سيشكرونه أو حتى سيتذكرونه.
اليوم، عندما يُسأل طفل صغير في مدرسته عن خالد عبدالعال، يجيبه المعلم أو الأب أو الأم:"ده راجل بسيط، بس عمل حاجة مش بسيطة،ده اللي النار ماقدرتش عليه... لأنه كان من نور."
رحل خالد عبدالعال كما عاش في صمت،لكنه ترك وراءه صوته،وفعله وقيمته،ليبقى خالد واحدًا من هؤلاء الذين لا تُصنع لهم تماثيل، لكن تُصنع بهم القيم.